سبب نزول سورة الحجر

سورة الحجر هي سورة مكية نزلت في مكة المكرمة، وتتألف من 99 آية، وترتيبها في المصحف هو الخامسة عشرة. تحمل هذه السورة معانٍ عظيمة تتعلق بعظمة الله سبحانه وتعالى، وبيان حقيقة الرسالة الإسلامية، وتحذير المكذبين من عاقبة التكذيب، إلى جانب ذكر قصص بعض الأقوام السابقة الذين عاندوا رسلهم فكان مصيرهم الهلاك.

تعتبر أسباب نزول السور وآيات القرآن من الأمور التي تساعد على فهم المعاني والسياقات التي نزلت فيها النصوص، مما يتيح للباحثين والدارسين معرفة الحكمة من الآيات، وتوضيح الملابسات التي رافقت نزولها. في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل سبب نزول سورة الحجر، مع التوسع في شرح سياقاتها التاريخية والدينية، وأهم مضامينها التي جاءت متوافقة مع الظروف التي كانت تعيشها الدعوة الإسلامية في مكة.

الخلفية التاريخية لنزول سورة الحجر

في فترة نزول سورة الحجر كان المسلمون في مكة يتعرضون لشدائد ومضايقات من قريش، التي رفضت الإسلام وأصرّت على موقفها الرافض لنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم. كانت الدعوة في بداياتها تواجه تحديات كبرى، سواء على المستوى العقيدي أو الاجتماعي أو السياسي. لذا فإن كل سورة نزلت في هذه المرحلة كانت تهدف إلى ترسيخ دعائم الإيمان في قلوب المسلمين، وتقوية عزيمتهم، وفي نفس الوقت مواجهة أكاذيب وأباطيل المشركين.

سورة الحجر نزلت استجابة لبعض الأحداث التي جرت في تلك المرحلة، خاصة رد فعل المشركين على الرسالة الإسلامية ورفضهم الاعتراف بمحمد كنبي مرسل. كان موقفهم متصلبًا، مستندًا إلى تمسكهم بالعبادات والأصنام التي ورثوها عن الأجداد، وإنكارهم لكل ما يتعارض مع معتقداتهم.

سبب نزول سورة الحجر

سبب نزول سورة الحجر يرتبط بنفي المشركين أن القرآن منزل من عند الله، ونقدهم للرسول صلى الله عليه وسلم، بل واتهموه بالسحر أو الجنون. كانوا يرددون بعض الادعاءات التي تهدف إلى التقليل من شأن النبي ورفض دعوته. هذه الاتهامات كانت تهدف إلى إحباط المسلمين وإيقاف انتشار الدعوة.

ذكر في كتب التفسير أن بعض آيات السورة نزلت لتأكيد صدق الرسالة وحقيقة الوحي الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولتذكير المشركين بقصص الأقوام السابقة الذين كذبوا أنبياءهم وكيف كان جزاؤهم الهلاك والدمار. جاء التذكير بأقوام مثل ثمود وقوم لوط وقوم نوح وغيرهم، ليكون عبرة وعظة لمن يشكك في صدق القرآن أو ينكر الرسالة.

كما أن السورة بيّنت عظمة خلق الله وقدرته، وأوضحت أن الوحي لا يمكن أن يكون من صنع بشر، بل هو كلام الله المنزل على رسوله، وأن الله هو الحكيم الخبير بكل شيء.

السياق الاجتماعي والديني لنزول السورة

في مكة آنذاك، كان النظام القبلي العشائري شديد السيطرة، وكان لزعماء القبائل مكانة كبيرة في المجتمع، وكانوا يرون في الدعوة الإسلامية تهديدًا لمعتقداتهم ومصالحهم. رفضوا الإسلام بكل أشكاله، وكانوا يسعون إلى إسقاط دعوة النبي محمد بأي وسيلة، سواء بالتهديد أو بالسب أو بالنفي.

سورة الحجر جاءت في سياق مواجهة هذا العناد المستمر، لتعيد التأكيد على أن الحق الذي جاء به النبي محمد هو من عند الله، وأن هذه الرسالة ليست من صنع البشر أو خيالهم. كذلك، كانت تحذيرًا واضحًا لهؤلاء المكذبين من مصيرهم المحتوم إذا استمروا في رفض الحق.

نزلت السورة في وقت كانت الدعوة الإسلامية تمر فيه بمرحلة حرجة، تحتاج إلى تأكيد الثقة بالله وبالرسول، وتحذير المشركين من التمادي في طغيانهم، مما يجعل سورة الحجر رسالة شديدة القوة في مواجهة تلك التحديات.

مضامين سورة الحجر المتعلقة بسبب نزولها

تناولت سورة الحجر عدة محاور رئيسية مرتبطة بموقف المشركين من القرآن والرسول، وهي كالتالي:

1. إثبات صدق الوحي

بدأت السورة بتأكيد أن القرآن كلام الله المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فقد نفى الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا القرآن من تأليف الرسول أو من عند غير الله. هذا التوضيح كان ضروريًا للرد على من قال إن القرآن سحر أو شعر أو كلام بشر.

2. قصص الأقوام السابقة

ذكرت السورة عدة قصص لأقوام كذّبت رسلها وأنكرت رسالاتهم، ثم كانت نهايتهم الهلاك. منها قوم عاد، ثمود، وفرعون، وقوم لوط. هذا التذكير كان تحذيرًا للمشركين من مصيرهم إذا استمروا في إنكار الحقيقة والتمادي في العناد.

3. تبيين قدرة الله وعظمته

تطرقت السورة إلى آيات في خلق السماوات والأرض، وفي التوازن الدقيق الذي خلق الله به الكون. ذكر الله عز وجل تفاصيل خلق الإنسان والجبال والأنهار لإثبات عظمته وقدرته، مما يؤكد أن هذا الخالق هو الذي نزل القرآن، وليس البشر.

4. ذكر بلاغة القرآن وروعته

في السورة تنويه إلى أن القرآن لا يمكن أن يأتي بمثله أحد، فهو كلام من عند الله، ليس فيه تحريف أو خطأ. هذا كان ردًا على من قال إن القرآن من عند البشر أو مخلوق.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أسباب النزول المتعلقة بسورة الحجر وأبرز محاور السورة

تأثير سورة الحجر على الدعوة الإسلامية

كان لنزول سورة الحجر أثر كبير في تثبيت قلوب المسلمين، إذ منحتهم ثقة أكبر في رسالة النبي محمد وأكدت لهم أن ما يدعو إليه هو من عند الله. كما ساهمت في مواجهة اتهامات المشركين ومحاولاتهم التشكيكية، حيث قدمت الحجج والبراهين التي تدحض كل مزاعمهم.

على المستوى العقيدي، عززت السورة من العقيدة الإسلامية في التوحيد، وقدمت تفسيرًا واضحًا عن خلق الإنسان والكون، وبيّنت أن كل شيء بيد الله، مما يرسخ الإيمان بأن الله قادر على كل شيء، وأن الدين الإسلامي هو الدين الحق.

الخلاصة

سبب نزول سورة الحجر كان ردًا مباشرًا على إنكار المشركين للقرآن الكريم واتهامهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالسحر أو الكذب. جاءت السورة لتؤكد أن القرآن هو كلام الله الحق المنزل على رسوله، وأن من يكذب الرسول وينكر الوحي سيكون مصيره الهلاك كما كان حال الأقوام السابقة الذين رفضوا دعوات أنبيائهم. كما بينت السورة عظمة خلق الله وقدرته، ومدى بلاغة القرآن وفصاحته التي لا يمكن أن يحيكها البشر.

سورة الحجر تعكس مرحلة مهمة من مراحل الدعوة الإسلامية، حيث كانت تحتاج إلى توضيح الموقف الإلهي من الرسالة ولتثبيت الإيمان في قلوب المؤمنين، وتوجيه تحذير قاسٍ للمشركين المتمردين على الحق.

المراجع

1. تفسير ابن كثير، تفسير سورة الحجر.

2. القرآن الكريم، الطبعة الملكية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.